صمود دمشق - إلفة الإدلبي
La Résistance De Damas - Elfat Edelbi
" القصف لم يتوقف لحظة. لم نعد نشعر بالخوف، كأننا لم نعد نهتم بشيء. وصلنا إلى درجة رهيبة من اللامبالاة، صرنا نخرج من القبو، نذهب إلى الحمام، إلى المطبخ، تقع بالقرب منا شظية نتخطاها ببرود ونتم طريقنا، نغلي القهوة ونشربها على الرغم مما نحن فيه.
في حدود العصر توقف القصف قليلا ثم عاد، وراح يتوقف ويعود ونحن لا ندري ما يجري حولنا.
خرج راغب من البيت في فترة انقطاع القصف، لم يصغ إلى أوامر أبيه وتوسلات أمه، طالت غيبته حتى بدأ يساورنا القلق، وإذ هو يعود ليخبرنا أنه سمع أن زعماء أحياء دمشق يفاوضون الآن الفرنسيين، وقد رضي الفرنسيون أن يكفوا عن الضرب فيما إذا انسحب الثوار من جميع أنحاء دمشق ودفع الأهالي الغرامات من مال وسلاح التي فرضها عليهم الفرنسيون، وقد ذهبت تلك الوفود نفسها إلى الثوار وعرضت عليهم الأمر فوافقوا على الانسحاب، قلت:
"ثوارنا لم ينهزموا إذن...انسحبوا حرصا على مدينتهم الغالية من الدمار ورفقا بأهليهم".
ما كاد يتوقف القصف حتى عاد أهل دمشق إلى خرائب بيوتهم ينبشون بين الأنقاض والرماد عن جثث ذويهم، يدفنونهم بصمت وقهر ثم يعودون إلى الخرائب لينبشوها ويتحروا عماّ بقي من ثرواتهم المدفونة فيها.
زقاق سيدي عامود الذي يضم أعرق البيوت وأكثرها ثراء دُمِّرَ واحترق كله وأصبح اسمه مع الأحياء التي تجاوره " الحريقة"!.. النفائس الدمشقية، والتحف الأثرية، شواهد الحضارات العريقة التي تعاقبت على بلادنا، وقد ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد وكانوا يحرصون عليها أشد الحرص ضاعت كلّها!... ذهبت طعما للنار والدمار!.
دمشق بعد الكارثة الرهيبة حمامة وديعة تطوي الجناح على الكسر وتظل صامدة بإباء وشموخ، دمشق يا بسمة الحزن، يا حمالة الأسى!...
سر بقائك الأزلي يا دمشقنا الغالية هو هذا الصمود في الكوارث والويلات، وما أكثر ما مر عليك منها!... ذهب الغزاة والطامعون وظللت أنت خالدة على الدهر.
على الرغم من شراسة العدو وبطشه اللا إنساني بالمدينة العريقة وسكانها العزل الأبرياء ما تزال الثورة في عنفوانها، الفداء مستمر، والهامات مرفوعة... والإقبال على الالتحاق بالثورة بعد الكارثة أشد مما كان قبلها. فداؤك يا وطننا الحبيب الروح والولد والمال..."
دمشق يا بسمة الحزن ص 145
الأسئــلة:
1- ما الممارسات الاستعمارية التي يتحدث عنها النص؟ وما نتائجها؟ وهل هناك شبه بينها وبين ممارسات الاستعمار في الجزائر؟ علل إجابتك ودعمها بأمثلة مما كان يحدث في المدن والقرى الجزائرية.
2- لماذا وافق الثوار على الانسحاب من دمشق؟
3- هل توقفت الثورة ودعم الثوار بعد حريق بعض أحياء دمشق؟
4- ما غرض الكاتبة من النص؟
5 - ما التقنيات التي استعملتها الكاتبة في عرض موضوعها؟
6- ما العواطف التي يثيرها فيك النص؟.
من كتاب "مواضيع الحرية وحقوق الإنسان"